Duration 5700

تبـــــــــــــــارك الذي جعل في السماء بروجــــــــــــــا Bahrain

Published 6 Sep 2023

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:61-67] الحمد لله، يقول تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) تقدّمَ افتتاح هذه السورة بهذا التعظيم والتنزيه: (تباركَ الَّذي نزَّلَ القرآنَ على عبدِهِ) تعالى وتقدَّس وكَثُرَ خيرُه وبِرُّهُ سبحانه وتعالى. وفي هذهِ الآيةِ يُذكِّرُ ببعضِ آياتِه ونِعمهِ، (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) جعلَ في السماءِ هذهِ الكواكبَ السيَّارة المنيرة، وهي أجرامٌ عظيمةٌ كبيرةٌ، وفيها منافعُ الهدايةِ: ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل:19] وزيَّنَ السماءَ بها (تباركَ الّذي جعلَ في السماءِ بروجاً وجعلَ فيها سراجاً) وهي الشمسُ سراجاً وهَّاجاً، وقمراً مُنيراً آيتانِ من آياتِ اللهِ عظيمةٌ، يشاهدُهما البشرُ في الليلِ والنهارِ آيتانِ عظيمتان، ونعمتان هما آيتان دالَّتان على قدرته وحكمته ورحمته، وهما نعمتان عظيمتان على العبادِ. (وهو الّذي جعلَ الليلَ والنهارَ خِلفةً) جعلَ الليلَ والنهارَ يتعاقبان يذهبُ هذا ويخلُفُه هذا، يتعاقبان (جعلَ الليلَ والنهارَ خِلفةً لمن أراد أن يَذَّكرَ أو أرادَ شكوراً) قالَ المفسِّرون لمن أرادَ أن يذَّكرَ أو أرادَ شكوراً، لمن أرادَ أن يتذكَّرَ ما أوجبَ اللهُ عليهِ ويستدركُ ما فاته، ما فاته بالليل يستدركُه بالنهار وما فاته بالنهار يستدركه باليل. فالليالي والأيَّام من العمرِ فُرَصٌ لمن أراد لمن أراد أن يدركَ الفلاحَ والنجاحَ والنجاةَ، لمن أرادَ أن يكونَ من الشاكرين، لمن أرادَ أن يذَّكرَ أو أرادَ شكوراً. فالليلُ والنهارُ هما زمنٌ، هما عمرُ الدُّنيا وعمرُ كلّ إنسان، عمره ليالي وأيّام معدودة أيّام الدنيا ولياليها معدودةٌ، وأيّامك أيّها الإنسان ولياليه ولياليك معدودةٌ، فعلى العبدِ أن يتدبَّرَ ويتفكَّرَ ويتذَّكرَ. ثمّ ختمَ اللهُ السورةَ بذكرِ أوصافِ عبادِه المُخلَصين عباد الرحمنِ الصادقين، وصفهم بالعبوديَّة وهذه العبوديَّة هي مناطُ الشرفِ العبوديّة الخاصّة، وإلّا كلّ الناس كافرهم ومؤمنهم كلّهم عباد، عباد لله لكنَّ العبوديَّةَ العامّة الّتي ترجعُ إلى المُلكِ والقهرِ، أمّا هذهِ العبوديّة الخاصّة فترجعُ إلى الافتقارِ إلى اللهِ والانقيادِ لأمرِه وتحقيقِ عبادتِه، (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) إلى آخرِ السورةِ وهيَ سردٌ لصفاتِهم. من صفاتهم أنّهم يمشون على الأرض هوناً سهلاً ليسَ فيه تجبُّرٌ ولا تكبُّرٌ، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ [الإسراء:37]، بل يمشون متواضعين. وإذا خاطبَهم الجاهلون لم يردُّوا عليهم بالمثلِ بل يقولون كلاماً حسناً سالماً ليسَ، بريء من الفُحشِ والبَذاءِ والعدوانِ، وإذا خاطبَهم الجاهلون قالُوا سلاماً. ومن صفاتهم قيامُ الليلِ طويلاً، (يبيتون لربِّهم سُجَّداً وقياماً) أينَ هؤلاءِ ممَّن يبيتُ ليلَه على اللغوِ واللهوِ الباطلِ، لغو ولهو وغفلة، أو يبيتُ نائماً لا يذكرُ اللهَ ولا يقومُ لما فرضَ اللهُ عليه وما شرعَ له من فضائلِ الأعمالِ من صلاةٍ وتلاوة قرآنٍ وذكرٍ. هؤلاء يبيتون لربِّهم سُجداً وقياماً، (تتجافى جنوبُهم عن المضاجع يدعون ربَّهم خوفاً وطمعاً) (كانوا قليلاً من الليلِ ما يهجعون وبالأسحارِ هم يستغفرون). ومن أوصافِهم الخوفُ من النارِ واللجوءُ إلى اللهِ بطلب النجاة منه، (والّذين يقولون ربّنا اصرف) (ربَّنا اصرفْ عنَّا عذابَ جهنم إنَّ عذابَها كانَ غراماً إنَّها ساءت مُستقراً ومُقاماً) النار عذاب النار هو أعظم العذاب فمن صفات الصالحين المؤمنين عباد الرحمن أنّهم يخافون عذابَ اللهِ ويستجيرون بالله ويستعيذون بالله من عذابِه. وقنا عذابَ النار، كم في آية بالقرآن: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ) (ربَّنا اغفرْ لنا ذنوبَنا وقِنا عذابَ النارِ) (ربَّنا ما خلقْتَ هذا باطلاً سبحانَكَ فقِنا عذابَ النارِ) وقد شرع لنا النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الاستعاذة بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر في كلِّ صلاة بعد التشهُّد. والَّذين من صفاتهم الاقتصادُ في الإنفاقِ، فلا إسراف ولا تبذير ولا تقتير بل وسط، لا إفراط ولا تفريط إذا أنفقوا لم يُسرفوا، والإسرافُ والتبذيرُ وضعُ المالِ في غيرِ موضعِه في الحرامِ أو فيما لا خيرَ فيه ولا فائدةَ فيه، والتقتيرُ البخلُ بما أوجب الله من زكاة ونفقات وحقوق وكفَّارات، ولم يقتُروا وكان بين ذلك قواماً، كان إنفاقهم بين ذلك لا إسراف ولا تقتير.

Category

Show more

Comments - 3